تؤكّد التَّسريبات التي نشرتها منصَّة "دروب سايت نيوز" ما حذَّرنا منه منذ سنوات في مركز حملة – المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، بشأن تنسيق السُّلطات الإسرائيليَّة حملة رقابة جماعيَّة بالتعاون المباشر مع شركة "ميتا"، لإسكات الأصوات الداعمة لفلسطين في مختلف أنحاء العالم. وفقًا لبيانات داخليَّة تمّ تسريبها من داخل "ميتا" عن طريق موظَّفين سابقين (مبلِّغين عن مخالفات/whistleblowers)، فقد امتثلت الشَّركة بنسبة 94% من طلبات إزالة المحتوى التي قدَّمتها الحكومة الإسرائيليَّة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ما أدّى إلى إزالة أكثر من 90,000 منشور بشكلٍ فوري، وقمع أو اتّخاذ إجراءات ضد عشرات الملايين من المنشورات الإضافيَّة عبر أنظمتها الآليَّة. وتبيَّن أنَّ معظم هذه الطلبات استهدفت مستخدمين من الدول العربيَّة أو ذات الأغلبيَّة المسلمة، كما أبلغ مستخدمون من أكثر من 60 دولة عن تعرّضهم للرَّقابة بسبب نشر محتوى يتعلّق بفلسطين، ما يعكس اتّساع هذه الحملة الرَّقابيّة حول العالم، وتواطؤ "ميتا" في تنفيذ أكبر عمليَّة رقابة جماعيَّة في التاريخ الحديث.
كما كشفت التسريبات أنّ الطلبات الصادرة عن الحكومة الإسرائيلية حصلت على استثناء خاص سمح للذكاء الاصطناعي بمراجعتها وتنفيذها مباشرة، على عكس السياسات التي تشترط تدخّل مراجعي المحتوى البشريين عند التعامل مع الطلبات الحكومية. ونتيجة لذلك، تم تغذية أنظمة "ميتا" الآلية بهذه الإجراءات، ما سمح لها بإزالة محتويات مشابهة بشكلٍ فوري دون مراجعة بشرية. تُعد أنظمة الذكاء الاصطناعي في الرقابة على المحتوى أقل دقة من المراجعة البشرية، وغالبًا ما تتبع نهجًا عدوانيًا يحمل طابعًا تمييزيًا. هذه الحقائق تُبيّن أن قمع المحتوى الفلسطيني هو سياسة منهجية لا تستند إلى حماية المجتمع، بل إلى قمع سياسي ومحاولة لمحو الرواية الفلسطينية. ما نشهده ليس رقابة على المحتوى، بل حملة رقابة جماعية على مستوى عالمي.
اندلعت هذه الحملة المنسّقة لقمع المحتوى الفلسطيني أو الداعم لفلسطين خلال الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، حيث يواجه الفلسطينيون مستويات غير مسبوقة من العنف والتشريد والتدمير. في الوقت الذي كان فيه الفلسطينيون في أمسّ الحاجة إلى الفضاء الرقميّ لتوثيق جرائم الحرب، والتواصل تحت الحصار، وحشد التضامن، ساهمت "ميتا" في توسيع نطاق الرقابة الإسرائيلية. فتم وسم أو حذف أو إخفاء منشورات تنتقد السياسات الإسرائيلية أو تعبّر عن التضامن مع الفلسطينيين بمعدلات مقلقة، في حين بقي التحريض على العنف وخطاب الإبادة بالعبرية من قبل مسؤولين وسياسيين إسرائيليين دون رقابة تُذكر. لم تفشل منصات "ميتا" في حماية الفلسطينيين فحسب، بل أصبحت شريكًا في اسكاتهم، وأسهمت في تعزيز الرواية الإسرائيلية وتقييد الوعي العالمي بالفظائع التي تُرتكب على الأرض.
نجدد دعوتنا العاجلة من أجل الشفافية والمساءلة. على "ميتا" أن تكشف فورًا عن عدد ونوع طلبات الحذف التي تتلقاها من الحكومة الإسرائيلية. هذه ليست المطالبة الأولى، فقد أوصى تقرير منظمة الأعمال من أجل المسؤولية الاجتماعية الصادر عام 2022 بتكليف من "ميتا" بشكل صريح إلى: "مواصلة الخطط للكشف عن عدد البلاغات الرسمية التي تتلقاها من الجهات الحكومية بشأن محتوى لا يُعدّ غير قانوني، لكنه قد ينتهك سياسات المحتوى الخاصة بميتا." لكن وبعد ثلاث سنوات، ما زلنا نطالب بأبسط معايير الشفافية. لقد انتهى وقت المراجعات الداخلية والتصريحات الفضفاضة. يجب على "ميتا" أن تنشر تقارير مفصلة حول جميع طلبات الحذف الحكومية، سواء كانت قانونية أو طوعية، وأن تُعيد المحتوى الذي تم حذفه ظلمًا، وتُنهي دورها في تمكين القمع الرقمي للشعب الفلسطيني. فرغم أهمية تنظيم المحتوى للحفاظ على فضاء رقمي آمن لجميع المستخدمين، لا يجوز أبدًا أن تتحول هذه الأداة إلى وسيلة للقمع السياسي. إن سجل "ميتا" خلال العقد الماضي في فرض سياسات تمييزية ضد الفلسطينيين يكشف عن فشل ممنهج في تطبيق السياسات بعدالة وشفافية ومن دون تحيّز.