اصدارات
تحليل قانوني لمشروع قانون منع التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي

2022-04-21

مشروع قانون منع التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي، 5782 - 2021

بقلم: المحامية عبير بكر

في يوم 27/12/2021، أقرت اللجنة الوزارية الإسرائيلية للشؤون التشريعية بالإجماع مشروع قانون منع التّحريض على شبكات التّواصل الاجتماعي لعام 2021، وهو قانون يسعى إلى تنظيم إزالة الحكومة للمحتوى أو تقييد الوصول إليه على المنصات الإلكترونية.

وفقًا لمشروع القانون، سيتم تفويض قاضي محكمة مركزية، بناءً على طلب المدعي العام، لإصدار أمر يُلزم أي ناشر محتوى أو مالك أو مسؤول عن موقع إنترنت أو تطبيق، سواء كان مجانيًّا أو مدفوعًا، بإزالة المحتوى من الموقع. كما ستتمتع المحكمة بصلاحية مطالبة مزود خدمات البحث عن المعلومات على الإنترنت (مثل Google) بعدم السماح بإلوصول للمحتوى الذي تم إصدار الأمر بشأنه.

سيتم إصدار هذا الأمر القضائيّ بعد اقتناع المحكمة بأن نشر المحتوى يشكّل جريمة جنائية، بزعم إمكانية أن يضر المحتوى "بأمن الأشخاص" أو "السلامة العامة" أو "أمن الدولة"، لذلك يعنى مشروع القانون هذا بأي منشور من هذا القبيل، سواء تم نشره من سيرفر (خادم حاسوب) في إسرائيل أو خارج إسرائيل، حيث لا توجد قيود إقليمية في مشروع القانون، ويمكن من الناحية النظرية تطبيق هذا القانون نحو أي موقع تثير منشوراته الاشتباه في ارتكاب جريمة أو الإضرار بسلامة شخص أو بالسلامة العامة أو بأمن الدولة.

كما يُفهم من المقدمة، فإن الهدف الأساسي من مشروع القانون هو "السعي لاستجابة دولة إسرائيل للتعامل مع نشر محتوى مسيء على الإنترنت في ضوء الاتجاه العالمي المتمثل في زيادة العنف والتحريض على العنف والإرهاب" في دول مختلفة حول العالم. لذلك تقرر توسيع مجموعة الأدوات القانونية للتعامل مع هذا الشأن، ويعد هذا القانون إحداها، إلا أنه لا يحل محل أي من الأدوات القانونية المتاحة اليوم، فلا توجد إجابة واقعية في مشروع القانون أو في المقدمة يمكن أن تشرح لماذا لا تكفي الأدوات القانونية الحالية لتطبيق الغرض من القانون. لا يهدف مشروع القانون هذا إلى معالجة جميع أنواع المنشورات المسيئة، مثل تشويه السمعة أو التعدي على الخصوصية، طالما أن هذا الانتهاك لا يؤدي إلى درجة من القلق الحقيقي لإمكانية التعدي على أمن الأشخاص أو الأمن العام أو أمن الدولة، كما لا يفصّل مشروع القانون هذا بشكل واضح ما هي الجرائم الجنائية التي يزعم أنه ينطبق عليها.

كذلك، لا يحتوي مشروع القانون على ما يوضح أنه يهدف إلى التعامل مع ظاهرة المنشورات مجهولة المصدر أو المصطنعة مثل "الروبوتات" أو "اللجان الإلكترونية" التي تصعّب على تتبع الجريمة المزعومة، وبالتالي فإن المطلوب هو عقوبة سريعة دون إجراءات جنائية. لذلك، حتى في الحالات التي تُعرف فيها هوية الناشر، لا يزال القانون يسمح بطلب إزالة المحتوى من الموقع بغض النظر عن نتيجة التحقيقات مع الناشر، فالعقوبة التي يقترحها المشروع هي الإزالة وليس الحذف أو التقييد الجزئي حتى بيان الحكم، وهو ما يعني في ظاهرة حجب إمكانية وصول الجمهور للمحتوى العام، حتى لو كان هذا المحتوى في تلك الحالة لا يشكل جريمة.

حملة - المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، والذي يعمل، ضمن مجالات عمله، على تعزيز الحقوق الرقمية وحماية حرية التعبير على الإنترنت، يعارض مشروع القانون ككل ويسعى للتحذير من الضرر المتوقع على المواطنين/ات الفلسطينيين/ات والمقيمين/ات في الداخل الفلسطيني والأراضي المحتلة (1967). فجرائم التحريض على العنف والإرهاب هي جرائم تم تحديد قواعدها بالقانون وتتطلب استخدام جميع الأدوات القانونية التي يفرضها القانون الجنائي على الناشرين/ات، لذلك فتحديد قرار قضائي بأن محتوى معين "يحرض على العنف أو الإرهاب" يفتح الباب أمام رقابة الحكومة على أي تحرك يفضح السياسات التعسفية للحكومة، ويقدم أدلة على انتهاكات حقوق الإنسان، ويكشف انتهاكات القوات الإسرائيلية، ويعارض سياسات الحرب العنيفة. فعلى ما يبدو أنه في السياق الإسرائيلي الفلسطيني، فإن المعارضين/ات للاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة والمعارضين/ات لسياسة الدولة بشكل عام، خصوصًا في الأوقات الحرجة، هم/ن أول المتضررين/ات.

إن إجبار الفرد على التعامل مع منشوراته في المحاكم أمام الحكومة والشركات الكبرى ما هو إلا عبء مفرط على الحق في ممارسة حرية التعبير وقد يكون له "أثر الصقيع" (التخويف)، فقد يدفع الفرد إلى تجنب التعبير عن رأيه أو الموافقة، ضمنيًا، على إزالة أقواله في ظل ضرورة حشد الموارد الاقتصادية والنفسية من أجل التعامل مع النظام القانوني وأطراف الدعوى. قد يمارس المواطنون/ات رقابة ذاتية مفرطة خشية أن تجرهم كلماتهم إلى إجراءات أمام الدولة والشركات الإعلامية العملاقة.

هذا مشروع قانون لا يمكن النظر إليه إلا باعتباره مشروعًا يسعى إلى ترسيم حدود الخطاب المسموح به والمحظور بما لا يتماشى مع قواعد القانون الجنائي والإجراءات المتبعة فيه وحتى لا يتوافق مع الاختبارات القانونية الموضوعة لتقييد حرية التعبير. ليس هناك شك في أن الفضاء الإلكتروني قد وفر منصات يسهل الوصول إليها من أجل التحقيق الصحيح والفعال لحرية الفرد في التعبير، وفي نفس الوقت ندرك إمكانية إساءة استخدام هذه المنصات بسهولة. ومع ذلك، فإن القانون الجنائي في إسرائيل لطالما تعامل ويعرف التعامل مع الإشكاليات المثارة بخصوص مشروع القانون وسلطة الدولة وأي متضرر آخر، بسلسلة من الإجراءات التي يمكن أن تضمن حماية المصلحة العامة والأمن دون الحاجة إلى المزيد من التشريعات.

كما سيتم الشرح أدناه، فإن موقفنا هنا هو أن مشروع القانون ينتهك الحق الدستوري في حرية التعبير بشكل غير تناسبي، ويثير صعوبات دستورية جوهريًا وإجرائيًا. وبالنظر إلى حقيقة توفر العديد من الأساليب القانونية الأخرى الكافية في إسرائيل والتي تسمح بتحديد المحتوى التحريضي والهجومي والتعامل معه، فليس من الواضح ما هو الغرض من التشريع المقترح، سوى توسيع نطاق انتهاك الحق في حرية التعبير، خصوصًا للمعارضين/ات السياسيين/ات للسياسة الإسرائيلية. نعرض فيما يلي الوضع القانوني السائد اليوم لنحاول أن نظهر بأن لا حاجة لأي تشريع رقابيّ إضافي. 

الوسائل المتاحة اليوم للدولة لتحقيق الهدف من مشروع القانون

لا تقدم مقدمة مشروع القانون أي بيانات واقعية أو مقنعة من الممكن أن تبرر الحاجة إلى تنظيم إزالة المحتوى المسيء أو للإجابة على سؤال لماذا لا تشكل الإجراءات المعمول بها حاليًا أدوات مناسبة للتعامل مع المحتوى المسيء. وفي ضوء الانتهاك الخطير المتوقع لحرية تعبير الناشر،  كان لا بد من الإجابة على الأقل عن لماذا هناك حاجة ملحة لتوسيع مجموعة الأدوات القانونية لتقييد حرية التعبير على الإنترنت؟

طرق التنفيذ التي استخدمتها وحدة السايبر الإسرائيلية بمكتب المدعي العام للدولة:

منذ عام 2015، أدار مكتب المدعي العام وحدة إلكترونية تعنى بالتعامل مع الجرائم الإلكترونية، من بين أمور كثيرة، حيث تعمل الوحدة كذلك في مجال إيذاء القاصرين، والتحرش الجنسي (في حالات نشر الصور ومقاطع الفيديو الجنسية)، والمنشورات المسيئة ضد موظفي سلك الدولة، والجرائم الأمنية والتحريض بمختلف أنواعه، والجرائم في مجال قانون الانتخاب وأكثر من ذلك.

كان الهدف من إنشاء القسم (الذي كان يُطلق عليه حتى وقت قريب "الوحدة") هو نفس مشروع القانون الحالي تمامًا وهو "التعامل مع الجريمة والإرهاب في الفضاء الإلكتروني"، حيث يعمل القسم السيبراني في مسارين: المسار الرسمي (القسري) والمسار التطوعي.



المسار القانوني القسري:

ويشمل العمل في هذا المسار نقل متطلبات القسم السيبراني إلى مزودي الخدمة والمحتوى الخاص بإزالة المحتوى أو منع الوصول إليه أو حذفه من نتائج البحث، بموجب أحكام قوانين منع الجرائم الإلكترونية – 2017. يخول هذا القانون المحكمة إصدار أوامر لمنع ارتكاب جرائم معينة، ومنع تعرض متصفحي الإنترنت لبعض الجرائم المرتكبة على المواقع. لا ينطبق القانون على كل جريمة ولكنه يضم عددًا من الجرائم في مجال المقامرة والألعاب المحظورة والإعلان عن خدمات الدعارة وجرائم الاتجار بالمخدرات واستخدام المواد الخطرة والنشاط الإلكتروني لمنظمة إرهابية بموجب قانون مكافحة الإرهاب - 2016.

كجزء من هذا المسار، قُدم عام 2020 35 طلبًا إلى المحاكم التي قامت بالتعامل مع 3624 موقعًا مختلفًا تقع خوادمها خارج الدولة والتي تم طلب حظر الوصول إليها، معظمها كان مواقع مقامرة (17 تطبيقا)، ومواقع تعلن عن خدمات جنسية (16 تطبيقا)، واثنين من التطبيقات على المواقع التي تنشر مواد مسيئة كممارسة الجنس مع الأطفال على وجه الخصوص. قبلت المحكمة 31 من الطلبات ورفض مكتب المدعي العام 4 طلبات بعد الحصول على النتيجة المطلوبة في الجلسة.

بالإضافة إلى ذلك، تعمل وحدة السايبر مع مقدمي الخدمات على إزالة المحتوى الذي ينتهك الأحكام القانونية مثل حظر نشر أسماء المشتبه بهم أو المشتكين من الجرائم الجنسية، وتنفيذ الأوامر التقييدية الصادرة بموجب قانون الانتخابات (طرق الدعاية) – 1950 وغيرها من المنشورات المخالفة لأحكام القانون أو أوامر النشر القضائي.

المسار التطوعي:

المسار الآخر الذي تعمل فيه الدولة جاهدةً لإزالة المحتوى الذي تعتبره مسيئًا هو المسار التطوعي. وكجزء من هذا المسار، تتواصل وحدة السايبر الإسرائيلية مع شركات الإنترنت، وخصوصًا شبكات التواصل الاجتماعي ومحرك بحث Google ومقدمي الخدمات، وتبلغ عن جريمة مزعومة ارتكبت في سياق النشر أو الإعلان، والتي في رأي الدائرة، تنتهك شروط الاستخدام الخاصة بالموقع أو مزود خدمات الإنترنت. ويعتبر اتصال القسم بمقدمي الخدمات والمواقع الإلكترونية بمثابة "توصية"، حيث تتمتع المنصات بحرية تقديرية كاملة لتقرير كيفية التصرف في ضوء تقرير وحدة السايبر. في الوقت نفسه، تشير البيانات الواردة أدناه إلى أن اتجاه المنصات لقبول توصيات وحدة السايبر، وإزالة المحتوى أو التدخل فيه، وذلك في الغالبية العظمى من التقارير. إن الطريق البديل، وفقًا لإصدارات النيابة، هو أداة بديلة للأداة الجنائية في الحالات التي لا يمكن فيها التعرف على مرتكب الجريمة أو مقاضاته، وكأداة تكميلية عندما يكون هناك عقوبة جنائية تقليدية.

يشار إلى أن المسار التطوعي للعمل قد تعرض لانتقادات من قبل منظمات حقوق الإنسان التي قدمت التماسًا إلى المحكمة العليا لتأمر بوقفه. في التماس 7846/19 الذي قدمه "عدالة: المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل" للمحكمة العليا ضد مكتب المدعي العام للدولة - وحدة الإنترنت (نُشر في 12 نيسان (أبريل) 2021)نوقشت أنشطة القسم السيبراني التطوعية الموضحة أعلاه. زعمت منظمتا حقوق الإنسان، عدالة وجمعية حقوق المواطن في إسرائيل، أن الإبلاغ عن الجرائم الجنائية  على منصات الإنترنت التي زعم ارتكابها على الشبكة تم دون تصريح قانوني، وهو ما يشكل انتهاكاً للحق الدستوري في حرية التعبير. وقد رفضت المحكمة العليا الالتماس بعد أن تقرر أن الوحدة، بحسب المعلومات المفصح عنها، تعمل ضمن صلاحياتها ولأنه لم يتم تقديم أي بيانات تظهر أن الوحدة تعمل ضد الناشرين الذين هم بشر وليسوا على سبيل المثال، برامج روبوت.

تدخل وحدة السايبر يعد تدخلاً في مجال التحريض والأمن وبالتالي فإن التشريع غير ضروري

في حين أن الغرض من وحدة السايبر هو توفير الحماية ضد الضرر الذي يلحق بسلامة الشخص أو أمنه إلا أنه فعليًا وبحسب المعطيات المنشورة من قبل وحدة السايبر والدولة كما هو موضح أعلاه من محكمة العدل العليا، يبدو أن غالبية نشاط القسم تقريبًا هو في السياق التطوعي ضد المنشورات التي زُعم أنها تدعم منظمة إرهابية أو تسعى للتحريض. لذلك، وجدت المحكمة العليا، أن عمل الوحدة في هذه الحالات قانونيًا. ما هو الهدف إذن من استنتاج الدولة أنها رسخت صلاحياتها في التشريع الأساسي، إن لم يكن لتبرير المزيد من الضرر والتدخل الجسيم في المحتوى؟

تظهر البيانات التي نشرها مكتب المدعي العام كموجز لعام 2020، أنه في عام 2020 تم فتح 144 قضية جنائية في وحدة السايبر التي تتعامل مع الجرائم التي حدثت في الفضاء عبر الإنترنت، مقارنة بعام 2019، حيث تم فتح 57 قضية فقط، وعام 2016 حيث تم فتح 16 حالة فقط. 7٪ من القضايا الجنائية تناولت شبهات بارتكاب مخالفات أمنية في 2020 و5٪ تحريض. هذه البيانات تخص مسار العمل القسري، أما في المسار التطوعي، فتشير البيانات إلى وجود نشاط مفرط في سياق جرائم التحريض والإرهاب لا يتناسب مع نسبة لوائح الاتهام الخاصة بتلك الجرائم.

ففي الرد المبدئي المقدم للمحكمة العليا نيابة عن الدولة ومن منشورات مكتب المدعي العام، يبدو أن معظم الإحالات في هذا المسار تتعلق بمنشورات منظمات تعرّفها الحكومة الاسرائيلية بأنها منظمات إرهابية أو منظمات محرضة على الإرهاب أو العنف. على سبيل المثال في سنة 2019 شكّلت نسبة طلبات الحذف المتعلقة بتنظيمات عرّفت كإرهابيّة نسبة 76% فيما تناولت 22٪ من الشكاوى منشورات زُعم أنها تحتوي على محتوى يمكن أن يشكل جريمة تحريض على العنف أو الإرهاب.

كما تكشف مراجعة تقارير وحدة السايبر، ان المسار الطوعي ليس فقط يقتصر على مجال التحريض والإرهاب، بل إن معظم شكاوى الدائرة يتم قبولها وتتم إزالة المحتوى الخاص بها. حيث تمت إزالة 76.5٪ من المنشورات (كليًا أو جزئيًا)، وفي عام 2017، تم الإبلاغ عن 12351 منشورًا، وتم حذف 88٪ منها؛ أما في عام 2018، تم تقديم بلاغات عن 14283 منشوراً، وتم حذف ما يقرب من 92٪ منها؛ وفي عام 2019، تم تقديم 19606 بلاغ، وتم حذف 90٪ تقريبًا من المنشورات. يُظهر تقرير مكتب المدعي العام للدولة لعام 2020 أنه تم تقديم 4458 طلبًا لإزالة المحتوى أو حظره على المنصات الإلكترونية (تم إرسال 88٪ منها إلى موقع Facebook) ولا يوضح تقرير عام 2020 عدد الطلبات التي تمت الاستجابة لها والتعامل معها من قبل المواقع.

لذلك، في هذه الحالة، يتعدى الموضوع وجود أدوات كافية للتعامل مع نشر المحتوى الذي يبدو مسيئًا، إلى وجود تعاون كبير بين الدولة والمنصات الرقمية، وهو في حد ذاته أمرًا مشبوهًا ويتطلب دراسة. وفي الوقت ذاته، فإن البيانات المذكورة أعلاه كافية لإثبات أنه لا يوجد نقص بالأدوات في صندوق أدوات الدولة للتدخل في المحتوى على الشبكة، ومن المستحسن أن تكثف الجهود لمضاعفة الشفافية في الممارسة في ظل توفر تلك الأدوات، وفي ظل الرغبة في إضافة المزيد من الأدوات وتوسيع نطاق تضييق الحريات السياسية لأسباب غير معلن عنها.

انتهاك الحق في حرية التعبير بشكل غير نسبي

ينبع حق الوصول إلى الفضاء الرقمي من الحق الدستوري في حرية التعبير وحق الاستقلالية الذاتية لمستخدمي/ات الإنترنت. كما يُعد حظر الوصول إلى المواقع الإلكترونية طريقة معروفة في أي نظام غير ديمقراطي يسعى إلى منع وصول مواطنيه/اته من التعرض لمحتوى يعتبره النظام غير مناسب. تم الاعتراف بالحق في حرية التعبير في القانون الإسرائيلي كحق دستوري، فممارسة الحق في حرية التعبير شرط مسبق لممارسة الحريات الأخرى، ولا سيما الحريات السياسية، حيث اعترفت السوابق القضائية الإسرائيلية بالحق في حرية التعبير كحق دستوري. لا يتوقف انتهاك الحق في حرية التعبير عند التسبب في الأذى للناشر أو صاحب التعبير ولكن أيضًا للجمهور الذي يستخدم المنصات المختلفة في الفضاء الرقمي والذي يحق له أن يصله المحتوى وأن يتلقى المعلومات كجزء من ممارسة حريته في التعبير، وقد أقر القضاء الإسرائيلي بحرية التعبير كمبدأ ينطبق أيضًا على التعبيرات التي يُزعم أنها تشكل جريمة، وهو الأمر الذي فصّله مشروع القانون من حيث المبدأ في إجراء غير عادل.

تعد الاختبارات الخاصة بتقييد حرية التعبير أو الحد منها صارمة، حتى عندما لا يكون الضحية مقيمًا أو مواطنًا في إسرائيل، ويرأسها الاختبار الاحتمالي لليقين الوشيك. ينطبق هذا الاختبار في أي حالة تتعارض فيها قيمة حرية التعبير مع مصلحة حماية الجمهور وأمنه، حيث ينص مشروع القانون على أن إزالة المحتوى من المواقع ستتم في حال وجود احتمال حقيقي لحدوث الضرر. إن اختبار "الاحتمال الحقيقي" المقترح في مشروع القانون هو اختبار احتمالية وليس اختبار قائم على شبه اليقين، مما يوسع دائرة احتمالات انتهاك حرية التعبير، حتى لو كان بقرار محكمة.

وبالإضافة لذلك؛ ينص مشروع القانون على أنه على الرغم من وجود التزام باستدعاء جميع المعنيين بالموضوع، إلا أنه يسمح في نفس الوقت بالمناقشة في حالة عدم وجود أي من الأطراف، ويسمح حتى بأن يتم اتخاذ القرار في حضور طرف واحد بعد تقديم أدلة سرية. وليس من الواضح ما هو الهدف من تقديم دليل سري عندما يكون المحتوى موضع الجدال هو محتوى مرئي وعلني وهو المحتوى الذي يجب فحصه في سياق درجة احتمال أن يؤدي إلى أي ضرر لسلامة الإنسان أو الأمن القومي. لذلك تشير حاجة الدولة إلى معلومات سرية في سياق مناقشة إزالة المحتوى المرئي أو عدم إزالته إلى نوايا خفية أخرى يسعى مشروع القانون إلى تحقيقها. ولا يعقل أن إضعاف النفوذ السياسي لشخص مجهول يتم بإخفاء منشوراته عن الشبكة، حتى لو كان هذا مشروعًا، عن طريق معلومات سرية تخفى عنه.

العقوبة القصوى لجريمة غير مثبتة بالطرق المعتادة:

يخول مشروع القانون المحكمة بإزالة المحتوى من الموقع أو التطبيق بعد الاقتناع بأن المحتوى يشكل جريمة جنائية، ولا يحدد مشروع القانون الجرائم الجنائية التي ينبغي أن ينطبق عليها القانون. وبالتالي يفتح الباب أمام تطبيق واسع وغير خاضع للرقابة لجميع عمليات تقييد حرية التعبير المعتدلة والخطيرة.

وتشير المقدمة بوضوح إلى أن أمر الحذف مكمل للإجراءات الجنائية، هذا يعني أنه حتى إذا كانت هوية الناشر معروفة ويمكن استدعاؤه للاستجواب والتأكد إذا كان منشوراته تمثل جريمة بالفعل ثم اتخاذ القرار فيما سيتم تقديم لائحة اتهام أم لا، لا زالت السلطة تستطيع إزالة المحتوى حتى قبل التحقيق بحجة ارتكاب جريمة قائمة. هذا يعني أن الشخص قد يجد نفسه يواجه لائحة اتهام ويحارب من أجل براءته في دعوى جنائية، وقد يصدر أمر بالحذف ويتم اتخاذ قرار بأن الجريمة هي موضوع لائحة الاتهام، قبل حتى أن يتم إثباتها بالطرق المعتادة. وبالطبع لا ينبغي للمرء أن يتعامل مع مثل هذا الموقف الهزلي من الإدانة والعقاب مقدمًا قبل ممارسة حق الدفاع.

تتطلب أهمية قيمة حرية التعبير ووضعها أن يتم إثبات ارتكاب جريمة عن طريق الإجراء الجنائي الكلاسيكي وليس عن طريق إجراء سريع إداري يمكن من خلاله اتخاذ القرارات من جانب واحد وعلى أساس أدلة سرية، لأنه حتى لو افترضنا أنه سيكون من الممكن إضفاء الشرعية على قرار يتعلق بعمل إجرامي في إجراء إداري، وهو أمر موجود في بعض القوانين الأخرى، فلا يزال ينبغي ضمان الالتزام بإجراء إداري سليم وعادل.يعد هذا الأمر انتهاك خطير لحق الفرد في محاكمة عادلة، فيوجد قاعدة أساسية في النظام القانوني مفادها أنه في أي حالة تنتهك فيها السلطة حق الفرد، يجب ضمان  أن يكون الإجراء سليم وعادل.وعلى أية حال، فعند التقصير في تحديد إن كان هذا المنشور يشكل جريمة جنائية أم لا، فهنا لابد أن يكون الإجراء الجنائي كلاسيكي وليس الإجراء الإداري. وليس من قبيل الصدفة أن المحاكم كرست عشرات الصفحات لتحليل جرائم حرية التعبير في السياق الجنائي، ومن المناسب أن يستمر ذلك في المحاكم الجنائية فقط.

الملخص والاستنتاجات

إن انخراط الدولة في تقييد حرية التعبير على الإنترنت يتم الآن بعدة طرق، النقطة الأساسية منها هي التي تم تفصيلها أعلاه، حيث يسعى مشروع القانون إلى توسيع مشاركة الدولة في السياق القسري دون أي مبرر ودون التصويت على أي احتياجات لم يتم تناولها حاليًا في الأدوات القانونية الحالية ولا يوجد تفسير في المقدمة لعدم كفاية المسار التطوعي، مع العلم أنه يتم العمل به بنجاح حتى اليوم، وهو أمر بحد ذاته مقلق، ولكن تم تطويعه من قبل المحكمة العليا في الوقت الحاضر.

القانون المقترح واسع النطاق سواء في سياق تطبيقه ككل أو في سياق الافتقار إلى تفاصيل العقوبات الفعلية التي يسعى إلى تطبيقها. فالتطبيق الواسع وغير المحدود للقانون يوسّع النطاق اللامحدود للضرر الملازم له لمستخدمي/ات الإنترنت والناشرين/ات على حد سواء. فمن المفترض أن يعالج القانون الجنائي الكلاسيكي موضوع تجريم التعبير. لذا فإن تحديد مدى جنائية وقانونية تعبير كهذا أو ذاك بواسطة أدوات إدارية سريعة هو خطوة جذرية يجب تجنبها من حيث المبدأ. فعند معرفة هوية الناشر/ة فبالإمكان التوجه له/ا مباشرةً واستجوابه/ا في حالة الضرورة القصوى ووفقًا للمعايير والاختبارات الصارمة المنصوص عليها في القانون. وعندما يكون هناك اشتباه في محتوى معين هوية ناشره غير معروفة، فيجب أن يستمر المخطط التطوعي في العمل وسط ضمان أقصى قدر من الشفافية والسماح لمنظمات حقوق الإنسان وأصحاب الرأي بالتعبير عن مواقفهم قبل اتخاذ قرار إزالة المحتوى.

لمشروع القانون هذا تأثير خطير على المدى البعيد. دفع الفرد إلى المحاكم من أجل حماية المحتوى الذي نشره من شأنه أن يقلل مقدمًا من أي رغبة في المشاركة في مساحة الرأي الحرة، ويزيد تخوفه/ا من فرض رقابة على كلماته/ا مسبقًا، أو الامتناع عن التعبير مطلقًا خوفًا من الانجرار إلى المحاكم والتعامل مع جهات مثل الدولة والشركات الإعلامية القوية، وفجوات القوة بين الفرد والأطراف ستكون كافية لردعه.

في الواقع، لا تخلو آلية المشاركة التطوعية في البلاد من الصعوبات وهي بحاجة إلى تحسين، إلا أن تحسينها يأتي من خلال ترتيب قواعد واضحة في تعامل الدولة مع المنصات عبر الإنترنت وليس توسيع رقعة تدخل الدولة. فانعدام الشفافية في علاقة الدولة مع المنصات الرقمية والذي تشمل عدم توثيق العبارات المحذوفة حتى وقت قريب، وعدم نشر إجراءات التعامل، وعدم توثيق الحالات التي يتم فيها تقييد المحتوى أو إزالته عمدًا ضد ناشر معروف أو غير معروف، وعدم إعطاء حق الدفاع للفرد والعامة، هو ما يتطلب الأولوية في العلاج والتنظيم.

تشهد تجربة مركز حملة في رصد وتوثيق انتهاكات حقوق مستخدمي/ات منصات التواصل الاجتماعي، وخصوصًا الفلسطينيين/ات، على الاستخدام السافر وغير المقيد الذي تمارسه اليوم هذه المنصات للتضييق على مساحة التعبير للفلسطينيين/ات ولمواطني/ات وسكان الدولة والأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث يتم تكثيف هذه القيود بشكل خاص خلال فترات الطوارئ التي يتم فيها تقييد انتقادات الدولة وأفعالها. وبالتالي فإن عدم شفافية الدولة في الممارسة العملية لا يسمح لنا أن نعرف الحقائق بشكل صحيح في هذه المرحلة ولا نستطيع أن نعلم فيما اذا كان حذف المحتوى كان بطلب من الدولة أم بمبادرة المنصات الإلكترونية. وفي ظل غياب الشفافية فيما يتعلق بعمل الدولة اليوم ونطاق تدخلها، فلا مجال لتوسيع الأدوات الموجودة تحت تصرفها.

للإطلاع على ورقة الموقف PDF: من هنا 

 

انضم/ي لقائمتنا البريدية

وابقى/ي على اطلاع بأحدث أنشطتنا، أخبارنا، وإصداراتنا!