يستعرض المقال التالي المخاطر الحقيقية لحقوقنا الرقمية التي قد تشكلها ازمة فيروس الكورونا الحالية ونصائح كيف نواجهها
حماية الحقوق الرقمية وتعزيز الصحة العامة: نحو استجابة أفضل لفيروس كورونا
بقلم : بيتر ميك ونتاليا كرابيفا مؤسسة اكسس ناو *
يُمكننا اعتبار تفشي فيروس "كوفيد-19"، المعروف باسم "فيروس كورونا"، بمثابة لحظة لتقييم الطرق التي يمكننا من خلالها أن نحمي الصحة العامة في العصر الرقمي، وفحص مدى تناسب حقوقنا الرقمية مع الاستجابة العالمية للحالات الإنسانية.
غالبا ما نتحدث عن الأمان الرقمي باستخدام مصطلحات استقيناها من معجم الصحة العامة؛ فيعنى مصطلح "النظافة الرقمية" مثلا، بمجموعة من العادات الصغيرة، كالمواكبة على تغيير كلمة المرور الخاصة بك، أو تذكر عدم النقر على الروابط المشبوهة، والتي لا تساهم في حمايتك فقط، بل بحماية من حولك.وتنطبق علاقة التجانس هذه على الجانب الآخر أيضا؛ فكما سنوضح أدناه، تساعد الحقوق الرقمية المتينة على تحسين الصحة العامة.
يتيح لنا الإنترنت تنبيه الجمهور إلى المخاطر الصحية بشكل أسرع من أي منصة أو أداة اتصالات سابقة. ولقد تعلمنا عبره كيفية تتبع الأمراض ومنع تناقلها، وشراء اللوازم الطبية لمكافحتها، وبناء مجتمع على منصاته وسط الحرمان والخوف والعزلة. ونعلم أيضا، أن استخدام الإنترنت سيكون ذا أهمية قصوى في خضم المعترك لإنقاذ الأرواح أثناء تفشي "كوفيد-19".
ويندمج الإنترنت بشكل متزايد في أنظمة الحكم التي نخضع لها، والنُظم الاجتماعية، وبالتالي فإن استخدامه يمثل أهمية في تفش الفيروس على المستوى الإيجابي كما السلبي. ومن خلال الاهتمام بقضايا الحقوق الرقمية الرئيسية التي سنوجزها في هذا المنشور، تستطيع الجهات المستجيبة في خطوط مواجهة المرض، والحكومات، والمؤسسات الدولية، أن تعي المخاطر بصورة أفضل، وأن تجد طريقا أكثر نجاعة في التعامل مع هذه الأزمة.
حماية البيانات
تُعد البيانات الصحية معلومات حساسة ذات أهمية خاصة، إذ يمكنها تحديد الأفراد لكشف تفاصيل شخصية جدا عن حياتهم. وقد يكون تتبع البيانات الصحية ضروريا لاستجابة السلطات لتفش متسارع للمرض. لكن جمع ومعالجة البيانات الصحية، بما في ذلك نشر المعلومات على الإنترنت، يشكل تهديدا على سلامة الأشخاص المصابين بالمرض، ومجتمعاتهم. وتقع على السلطات الصحية مسؤولية التقيد الصارم بالأساس القانوني لهذه الأنشطة.
قامت وزارة الصحة السنغافورية مؤخرا بنشر معلومات حول ضحايا الفيروس، ليقوم أحد المطورين بتحويل المعلومات إلى خريطة تفاعلية. وانتشرت الخريطة على نطاق واسع، مما أثار جدلا حول ما إذا قيست فائدتها للصحة العامة مع مراعاة المخاطر التي قد يتعرض لها ضحايا المرض الذين حُددوا فيها، والتي قد تشمل التمييز والوصم وغير ذلك. ووُثقت في الماضي، الكثير من حالات سوء إدارة البيانات أو حتى مشاركتها بشكل غير قانوني خلال تفش أمراض سابقة. ويجب أن تحتكم عملية معالجة البيانات الصحية للقانون وليس للأخلاق. وعلينا أن نطالب السلطات بالمزيد من الحوكمة القانونية لهذه البيانات، في خضم النضوج المتواصل لدور البيانات الضخمة والتكنولوجيا في الاستجابة للحالات الإنسانية.
المراقبة
قد ترى الحكومات في أنحاء العالم، بهذه الأزمة الصحية، فرصة لإدخال أو تطبيق تكنولوجيا المراقبة وأنظمتها المثيرة للجدل. وكما قال رامان جيت سينغ من مجموعة "أكسيس ناو" ، لوكالة "طومسون رويترز" للأنباء، فإن "الحكومات تضفي شرعية على أدوات القمع باعتبارها أدوات للصحة العامة".
وبالفعل، تلعب تقنية التعرف على الوجوه، دورا في مراقبة حركة الأشخاص، ورصدها والتحكم بها، في خضم انتشار فيروس "كوفيد-19". إذ تستخدمها الصين لتتبع الأشخاص المصابين وتحديد أولئك الذين لا يرتدون أقنعة واقية. وفي موسكو، تفيد التقارير أن السلطات الروسية تستخدم كاميرات المراقبة، وأنظمة التعرف على الوجوه، وتقنيات تحديد الموقع الجغرافي، لفرض نظام الحجر الصحي وتعقب الأِشخاص المصابين وأفراد أسرهم.ولا ينبغي للسلطات أن تستخدم الوباء لتبرير المراقبة الجماعية وتعميق انتهاك حق مواطنيها في الخصوصية.
الهوية
حتى قبل أن يتفشى هذا الفيروس، دمجت الحكومات البيانات الصحية والبيومترية الأخرى في برامج الهوية الرقمية. وقد تتيح أزمة الصحة العامة، سنا سريعا لتشريعات مخصصة للتعرف على هويات الأشخاص دون إجراء نقاش عام حولها، أو دون شفافية، الأمر الذي من شأنه أن يسرع الميل المقلق نحو تحديد الأشخاص في الحياة العامة والخاصة.
وفي الصين، سارعت عمالقة التكنولوجيا إلى تطوير تطبيقات للتصنيف الصحي بالتعاون مع السلطات في مقاطعات عدّة، على الرغم من التحذيرات من جمع البيانات الشخصية والاحتفاظ بها بشكل غير متناسب. وما من معلومات متاحة حول الأطراف المخولة بالاطلاع على هذه البيانات الشخصية المُحتفظة في التطبيقات، وعن كيفية عمل آلية التصنيف الصحي، وما المدى الذي يُمكن أن يُدمج فيه هذا السجل في ملف تعريف هوية المواطن الدائم.
ويشكل هذا الأمر سابقة خطيرة في تطوير برامج الهوية الرقمية في جميع أنحاء العالم. وكوننا جزءا من تحالف "#واي آي دي" (#WhyID)، فنحن نكرر دعوتنا للحكومات والقطاع الخاص لأخذ الأضرار المحتملة التي يُمكن أن تلحقها برامج الهوية الرقمية، بحقوق الإنسان، بعين الاعتبار، قبل إنشائها.
الرقابة
قررت سلطات دول عديدة، أن تفرض رقابة على المعلومات حول "كوفيد-19" بدلا من السماح للعلماء بتعميم مدى أو شدة تفشي المرض، وإجراء نقاش عام حوله.وبحسب تقرير جديد صادر عن مختبر الأبحاث "سيتزين لاب" (Citizen Lab)، فقد منعت السلطات الصينية، منذ بداية تفشي المرض، نشر المحتوى المتعلق بفيروس كورونا على وسائل التواصل الاجتماعي وخدمة المراسلة "وي تشات" (WeChat). فيما لاحقت الحكومة الإيرانية الصحافيين وفرضت رقابة عليهم، وعلى غيرهم ممن يحاولون تناقل المعلومات المحيطة بالوباء. أما الولايات المتحدة، فقد عيّنت الولايات المتحدة نائب الرئيس مايك بينس، حارسا على المعلومات، في سيطرة صارمة على الخطاب الموجه للجمهور.ولا تنتهك الرقابة حقوق الأفراد في حرية التعبير ومنالية المعلومات فحسب، بل تعرضنا جميعا للخطر عبر تقييد قدرتنا على وقاية أنفسنا من المرض ومنع اتساع رقعة انتشاره.
التضليل
كما لاحظ العديد من المراقبين، فإن المعلومات الكاذبة والمضللة حول فيروس كورونا تنتشر بسرعة كبيرة، إذ تتفشى معلومات خاطئة حول علاجات مفترضة للمرض، ونظريات مؤامرة، وأخرى تعتبر الأنباء حوله محض أكاذيب، على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي التقارير الإخبارية، وعبر منصات المراسلة مثل "واتس آب" (WhatsApp).
استجابة لهذه الظاهرة، بدأت منصات التواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك" ، و"تويتر"، و"جوجل"، تروج لإرشادات رسمية صادرة عن سلطات صحية عندما يبحث المستخدمون عن معلومات حول فيروس كورونا. ووجه موقع "ريديت" (Reddit ) مستخدميه، نحو منصة منتديات جديدة وخاضعة للإشراف. كما أطلقت منظمة الصحة العالمية حسابا على "تيك توك" لمكافحة المعلومات المضللة وتقديم مشورة موثوقة وفي الوقت المناسب للجمهور.ونحن ندعم هذه الجهود للرد على المعلومات الخاطئة عن طريق إعطاء الأولوية للمعلومات الدقيقة، وتعزيزها، ورفع مستوى مناليتها.
التمييز
هناك ارتفاع واضح بالسلوكيات التي تندرج تحت إطار كراهية الأجانب، والتمييز ضد الأشخاص المنحدرين من أصل آسيوي أو الأفراد الذين تبدو ملامحهم آسيوية، على الإنترنت وخارجه. ويتكاثر حضور الشتائم، وميمات (Memes) رهاب الأجانب، وانتشار التقارير الإخبارية التي تعرض صورا تُظهر أشخاصا آسيويين أو أحياء آسيوية وتتعرض لها. وبالنتيجة، يتعرض الآسيويون للعنف والوصم في الشوارع، وفي أماكن عملهم، بل وفي المستشفيات أيضا. وحتى الشركات الآسيوية، والتي تواجه المصاعب منذ انتشار "كوفيد -19"، تأثرت سلبا من هذه الظاهرة أيضا.بصفتنا مدافعين عن حقوق الإنسان، فإننا نشدد على أنه يتحتم على الأطراف المستجيبة لهذه الأزمة أن تحارب الفيروس، وليس الناس.
التجمع والتنظيم
إن إحدى أهم الأدوات التي تمكن المجتمع المدني من الاستجابة للقضايا التي أبرزناها، هي الاجتماعات الشخصية، والتي من شأنها أن توفر فرصة للمشاركة مباشرة مع الشركات والحكومات، والدفع نحو ممارسات تحمي حقوق الإنسان وتنقذ أرواح البشر.
في الوقت الحالي، ألغى منظمو العديد من الفعاليات المنظمة من قبل المجتمع المدني فعالياتهم، مثل "مهرجان حرية الإنترنت"، و"مهرجان الصحافة الدولي" ، بهدف حماية صحة وسلامة المشاركين. ونحن الآن بصدد عملية اتخاذ قرار بشأن ما الذي سنفعله مع قمتنا السنوية "رايتس كون"، ونتوقع أن نتخذ قرارا نهائيا بشأن الطريق الذي سنسلكه بحلول نهاية شهر آذار/ مارس المقبل.
وأحد الاعتبارات الهامة بالنسبة لنا، حول قرارنا بشأن عقد قمتنا السنوية، هو أن غياب مساحات التجمع هذه، يجعل التنسيق بين أطراف المجتمع المدني أكثر صعوبة، وبالتالي، فإن فرص جمع التبرعات قد تضيع. ففي حالات كثيرة، يضطر المجتمع المدني إلى الاعتماد على التمويل الخارجي لحضور الاجتماعات المهمة، أو يجب أن يحصل على موافقة حكومية للمشاركة في اجتماع رسمي حول قضية تؤثر بشكل مباشر على رفاه المجتمع. وفي عملنا، يلجأ الكثير منا إلى "نشاطات جانبية" لضمان إسماع أصوات مجتمعاتنا.
تقوم مؤسسات مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أو اللجنة المعنية بوضع المرأة، أحيانا، بإلغاء نشاطات جانبية، لكنها تستمر في عقد الاجتماع الرئيسي دون مشاركة أو مشاركة كاملة من المتأثرين من القرارات التي تُتخذ في هذا الاجتماع. وبغياب أصوات ذوي الصلة عن هذه الاجتماعات، فإنه قد يكون من الضروري إعادة جدولة هذه النشاطات بدلا من عقدها دون المشاركة الهادفة التي تُعد ضرورية لإضفاء الشرعية عليها.
حماية مجتمعنا والمضي قدما
مثلنا مثل العديد منكم، سنستمر في "أكسيس ناو"، برصد الظرف، والمساعدة في لفت الانتباه إلى قضايا الحقوق الرقمية كوسيلة لتحسين الاستجابة العالمية للحالات الإنسانية. وكما نفعل دائما، إذا كانت مؤسستكم بحاجة إلى مساندة في تعزيز الأمان الرقمي، فنحن نشجعكم على التواصل مع قسم "خط المساعدة للأمان الرقمي" (Digital Security Helpline) للحصول على الدعم. ابقوا معنا وتابعونا على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على تحديثات.
*نشرت المقالة في موقع منظمة اكسس ناو باللغة اانجليزية وقام مركز حملة بترجمته للعربية.
وابقى/ي على اطلاع بأحدث أنشطتنا، أخبارنا، وإصداراتنا!